الجمعة، 11 سبتمبر 2015

العوامل النفسية والاجتماعية التي تحول دون استبصار السلفية والوهابية





العوامل النفسية والاجتماعية التي تحول دون استبصار السلفية والوهابية
(ملاحظة: الاستبصار هو الاهتداء الى الاسلام كما جاء به النبي الكريم ص, وليس كما جاء به المحرفون الذين خانوا أمانة النبي ص)

هناك عوامل عديدة متداخلة في الشخصية الانسانية تحول دون اهتداء الانسان الى الحق , منها ما هو نفسي ومنها ماهو تربوي وأجتماعي وهناك ايضا عوامل سياسية واقتصادية وغيبية  مانعة من ذلك , وقد تجتمع هذه العوامل بتشابك وتداخل يصعب التفريق بينها واحيانا قد تأتي منفردة  . التحول المذهبي يتشابه نوعا ما  مع التحول الكامل في العقيدة ,ولكن هذا الموضوع هو بخصوص العوامل المانعة للاستبصار عند الطائفة السنية وبالاخص الجماعة الوهابية والفرق السلفية, فما هي العوامل المانعة للاستبصار عند القوم ؟

1-العامل النفسي والمرضي
المرض النفسي قد يأتي من وساوس الشيطان وهواجسه وهو أمر لا تأخذ به مدارس علم النفس على الرغم من واقعيته , لذلك التشخيص للمرض النفسي الذي يهمل وساوس الشيطان قد لايحقق نتائج ناجحة دائما وبحث ذلك يطول . المهم, هناك شخصية في علم النفس تجدها غالبة ومتجسدة عند كثير من اتباع الفرق السلفية والوهابية ,وكذلك عند المتزمتين في الديانات الاخرى كالمسيحية واليهودية.  هذه الشخصية هي الشخصية (الحصرية-القهرية), ويطلق عليها بالانكليزية - -The obsessive –compulsive personality disorder ويمكن للقارئ الكريم تقصي صفات هذه الشخصية بالتفصيل في كتب علم النفس, وفيما يلي تعريف عام بالشخصية بما يخص هذا الموضوع.
هذه الشخصية تشكل نسبة تصل الى 9 بالمائة من مجموع المراجعين لعيادات الطب النفسي وهذا يعني ان النسبة الحقيقية أعلى من ذلك, لأن الاحصاء يحصي المراجعين فقط أما الذين لايراجعون العيادات فغير مشمولين بالاحصاء! تكون نسبة المصابين  من الرجال بهذا المرض ضعف نسبة المصابين من النساء.
سمات شخصية ( الحصر-القهري): 
 - التقيد بالطقوس : تتميز الشخصية الحصرية القهرية بالتقيد بالطقوس وبعشق النمط المرتب في الحياة وبعدم قدرتها على كسر نمط الحياة التي هي عليه كمواعيد الاكل وترتيب الاثاث في البيت وطريقة اللبس حيث يكون نمط الحياة نمط طقسي متزمت لايخرج عن دورته ولايتغير , وإن كانت هذه الشخصية تقوم في بعض الاحيان بكسر هذا الطوق ولفترة قصيرة لاقناع عقلها الباطني بقدرتها على التغيير فتقوم بعمل مخالف لنمط حياتها ,ولكن لفترة قصيرة جدا حيث سرعان ما تعود الى ما تعودت عليه .
لذلك مثلا تجد الوهابي او السلفي يقصر ثوبه ( دشداشته) وفقا لأمر الشرع  كما يقول وبقياسات دقيقة,  ولكن فعله ذلك في الحقيقة  ليس امتثالا لاوامر الشرع بقدر ماهو تنفيذ للحاجات الملحة في داخل شخصية المحصور قهريا ( الحصر- القهري) التي تسير حياته, وكذلك يفعل في طقوس العبادة التي ينفذها بحذافيرها (وفقا لمنهجه السلفي) بينما في واقع الحياة يفعل كل ما يخالف شرع الله ويظن أنه على جادة الصواب!

- الحلول الجاهزة : تبين الدراسات النفسية  أن هذه الشخصية المقيدة بطقوس الحصر القهري  تتبنى ( الحلول الجاهزة) للمشاكل التي تتعرض لها وتواجهها , وتطبق تلك الحلول الجاهزة على كافة انماط الحياة حتى ولو كانت تلك الحلول لاتقدم حلا للمشكلة المعوقة, فالحلول الجاهزة توفر على الشخصية القهرية الخوض في الملابسات والتعقيدات لأي مشكلة او عقدة تواجهها . فمثلا الوهابي أو السلفي  يتحمس لتطبيق حكم قطع يد السارق, او ذبح المخالف لمذهبه فالحل جاهز وسريع يوفر على الشخصية القهرية المحصورة الخوض في التعقيدات الشرعية . إن  قطع يد السارق كما هو معلوم وفق الشرع لايتم إذا كان السارق جائعا أو كانت البضاعة المسروقة معروضة وغير محرزة كما بين الشرع, والمخالف للمذهب لايجوز قتله  , لكن السلفي المتزمت لايريد هذه التعقيدات فهو يطبق ( الحل الجاهز) البسيط والمسطح  وهو مايتماشى مع طبيعة الشخصية الحصرية-القهرية فيقطع اليد ويقتل منفذا ماتمليه عليه شخصيته المريضة دون الدخول في التفصيلات ! وكذلك يفعل السلفي في (تكفير) الاخرين , فالحل التكفيري السريع والمبسط جاهز ويلاحظ ذلك في استعمال السلفي للكلمة السحرية ( شرك) , فكل شئ مخالف لمذهبه يعتبر شرك, زيارة القبور شرك, التوسل بالنبي وآله يعتبره شرك, الاجتهاد في الدين يعتبره شرك وهكذا الحل جاهز ومختصر وبسيط , ومثل ذلك يفعل في قراءته لتاريخ الصحابة فالنظرية الجاهزة عند السلفية أن الصحابة كلهم عدول ولكن عندما يقرأ السلفي والسني المتزمت عن صحابة قتلوا بعضهم بعضهم وخالفوا بعضهم بعضا يتجاهل ما يقرأ أو يسمع ويتشبث بالحل الجاهز وهو أن الصحابة كلهم عدول .

-طريقة اللبس والزي : المصاب بمرض ( الحصر-القهري) يتبع اسلوبا معينا في لبس ملابسه وطريقة خاصة في تصفيف شعره لايغيرها أبدا, وكذلك في سائر تصرفاته كطريقة جلوسه ومشيه وترتيب غرفته ..الخ  وكذلك يفعل  الوهابي والسني المتزمت حيث لايمكنه تجاوز الاطر التي وضع نفسه فيها , فهو يعشق تقصير الدشداشة بمقاسات دقيقة , ولبس غطاء الرأس واطالة اللحية بدون تشذيبها , وحف الشوارب حفا واستعمال المسواك والاصرار على غسل القدمين في الوضوء  ... الخ ويطبق ذلك بحذافيره .بعض هذه الامور حث عليها الشرع وعدم التقيد بها تماما لايجعل من المسلم خارجا عن الملة , لكن الوهابي والسلفي المتزمت ( الحصر-القهري) يطبق هذه الحلول الجاهزة التي تتماشى مع شخصيته ويتعصب لها لانها تنفذ رغباته الحصرية التي لايستطيع عنها فكاكا.. فمثلا  المسواك سنة مستحبة وممكن التعويض عنه بالمعجون وفرشة الاسنان وتتحقق نفس الغاية وهي نظافة الفم , إلا أن الوهابي السلفي( المحصورقهريا) لايستطيع الخروج من عقدة القوالب الجاهزة فيتعصب للمسواك ويتمسك به بل يحمله معه ويستعمله  ويمقت من لا يستعمله!.

- السيطرة على الاخرين  : من سلوك الشخصية الحصرية القهرية أيضا وكما تبين الدراسات, حب التنظيم والترتيب المفرط  وحب السيطرة على الاخرين ! وعدم تنفيذ هذه الهواجس يؤدي الى القلق والانزعاج الممض في الشخصية الحصرية-القهرية,  ويٌرى ذلك واضحا في طريقة تعامل المسلم السلفي المحصور قهريا مع الاخرين , فهو قد نصب نفسه آمرا على الاخرين ويسعى لأن يكونوا تحت سيطرته وسيطرة أفكاره واذا خالفه مخالف فأن التهمة جاهزة وهي التكفير , والعقوبة جاهزة بالموت والقضاء على الخصم الذي يزعج ويخالف الهوس القهري الحصري في شخصية السلفي الوهابي.

- العنف : تبين الدراسات النفسانية كذلك ,أن الشخصية المصابة بالحصرالقهري تعاني من صراع داخلي متعب وهذا الصراع يكون  بين المتطلبات الملحة لشخصية المصاب  وبين الواقع الذي حوله, ذلك الواقع الذي يكون محبطا لرغبات الشخصية الحصرية القهرية , لمعاكسة الواقع الاجتماعي والبيئي لمتطلبات الشخصية المصابة , وهذا الاحباط الناتج يؤدي الى غضب الشخصية ثم يتحول الغضب الى عنف , وهو ما يشاهده أي متتبع لغضب الوهابية عند اصطدامهم بمن يعارضهم من الناس , فليس لهم الا القتل والذبح والتفخيخ والتفجير.

- التكرار : تظهر الدراسات  ايضا أن من خصائص الشخصية الحصرية القهرية هو التكرار في كل شئ والاعادة ,ويلاحظ ذلك في الحوارات والنقاشات مع الوهابية السلفية ,فهم يكررون جملهم وارائهم على الرغم من تفنيدها من قبل الخصوم, لكن الوهابي المحصور قهريا لايمل من تكرار وجهة نظره حتى وان فُندت فيظل يعيد ويكرر وفقا لما تمليه عليه شخصيته المريضة بالحصر القهري.

-الهوس النكاحي يحصل في حالات متقدمة في الشخصية الحصرية –القهرية ويأتي عل شكل أفكار مقحمة في اللاشعور وقد يفسر هذا بدون الدخول في التفصيلات هوس السلفية بالنكاح  وقصص المضاجعة واحاديث انس بن مالك في قوة الجماع كما وضعها المحرفون في تشويه شخصية النبي العظيم ص , وهوس الدواعش بالنكاح والجواري واللواط والغلمان وغيرها , إن الافكار المقحمة في عقل الانسان يعبر عنها القرآن الكريم ب ( الوسوسة). فالمصاب المهووس تدخل قلبه الوسوسة,  والوسواس الخناس يتمكن من الدخول في تفكير الانسان وقلبه عندما يكون المصاب (مكشوفا) أمام وساوس الشياطين , ولايقترب الشيطان من القلب المضطرم بالحق , انما يدخل القلب الضعيف والمسكون بالمذهب الباطل.

إن الشخصية الحصرية القهرية  تتواجد في كل المجتمعات بغض النظر عن الاختلافات في التقاليد والجنس والدين , فتجد التعصب القهري موجود في كل الفرق والاديان ويتشابه المصابون في سلوكهم وتصرفاتهم وإن اختلفت اديانهم والوانهم,  ومن الطريف أن تجد من هو غير مسلم محصور قهريا يتصرف وفق شخصيته الحصرية ولكنه بمجرد اعتناقه للاسلام يتحول بسهولة الى وهابي سلفي متعصب متزمت, وهذا يفسر التحول عند بعض الغربيين الذين يدخلون الاسلام ويتحمسون للمذهب السلفي الوهابي, ولو تحرى الباحث عن ماضي حياة المتحولين الجدد لوجد أن فيهم كثير من المصابين بالحصر القهري قبل تحولهم , فوجدوا بالمذهب السلفي الوهابي غايتهم التي تتماشى مع شخصيتهم الحصرية القهرية, وهذا يفسر تحمس الدواعش الاجانب للعنف والتفخيخ والقتل وسعيهم الى إعادة ( ترتيب) المجتمع وفق هواجسهم (الحصرية-القهرية).

طريقة التفكير والسلوك:
بما أن الشخصية القهرية غير قادرة على تجاوز حدود التفكير القهري المحصور والمقيد بالقوالب الجاهزة فأنها تقف ممتنعة عن قبول أي رؤية جديدة او طرق دخيلة تتعارض مع اسلوب التفكير القهري, وبذلك يقف المتزمت قهريا ضد الجديد وضد أساليب الحياة الاخرى في تفسير الحياة وفي الدين وفي غيرها . وينتج عن هذا التصرف تقوقع الوهابي والمتزمت قهريا عن التحرر الفكري ويصبح الابداع عنده مسألة خروج عن النصوص والقوالب الجاهزة , لذلك ترى المتزمت قهريا ضيق الافق في التفكير (عيي وغبي في كثير من الامور)  محصور مقهور بما تمليه عليه شخصيته المريضة ويصبح الابداع عنده خروجا عن المعقول, ومثل ذلك يمتنع السلفي الوهابي عن قبول الاجتهاد في الدين ويعتبره خروجا عن النصوص فيبقى مقلدا لمجتهدين ماتوا قبل مئات السنين كأحمد بن حنبل وابن تيمية وغيرهم , و ينعت المخالفين له من المسلمين بأنهم مارقين عن الدين ! بينما هم في الحقيقة متدينين ومؤمنين ولكن ايمانهم عنده يعتبر خروج عن الحلول الجاهزة والقوالب المغلقة.

الشخصية القهرية تنزعج عند تغير نمط ( روتين) الحياة الرتيب التي تعودت عليه , فهي لاتستطيع تغيير مواعيد الاكل أو طريقة ترتيب أثاث البيت او مواعيد النوم والعمل واي تغيير يصيبها بالاحباط والنكوص, لذلك يبرر و (يشرعن)  الوهابي المحصور قهريا اسلوب حياته بالآيات القرانية والاحاديث ( المنتقاة) وفقا لطريقة تفكيره الحصرية ليحصل على قبول (آلهي) -كما يزعم-واجتماعي يتماشى مع القهر الذي يقهر شخصيته ويحصرها .
إذن الوهابي المتزمت محدود التفكير وفق نمط متقولب ومسطح وجاهز , ولذلك ترى أن النقاش مع الوهابي في أمور الدين نقاش مغلق وحتى لو يأتي الداعي او المتكلم بشواهد حية ونصوص متفق عليها فإن الوهابي والمتزمت قهريا لايلبث أن يؤولها وفق تفكيره ( الحصري-القهري) ويرفضها  ويعيد (تكرار) حججه المفندة –حيث أن التكرار من سمات شخصية المصاب-كما مر أعلاه, فهذه الافكار إن هو آمن بها ستغير من اسلوب حياته ذلك الاسلوب الذي هو مسجون به وفقا لشخصيته ( الحصرية –القهرية), فينتهي النقاش بالرفض بل بتكفير الطرف الاخر وقد يصل الى التهديد بالقتل والذبح, وهو مانراه في واقع الحياة.

للحفاظ على النمط الرتيب واسلوب الحياة المتقوقع تتحصن شخصية المصاب , وكذلك شخصية كل ضال  بما يلي :
- العناد والتعصب :  التعصب في الرأي رغما  عن تفنيده وبهتانه , وهو مايطلق عليه في المصطلح القرآني ( العزة بالأثم) ( وإذا قيل له اتق الله اخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم وبئس المهاد ) 206 البقرة. ويستخدم المصاب كل قواه في التشبث برأيه ووجهة نظرة مستخدما صفات شخصيته التي مرت أعلاه وهي السيطرة على الاخرين,  التكرار في اعادة حججه الواهية,  التهديد بالقتل , العنف .
يصل العناد بالمصاب الى التعصب والتكبر على الطرف الاخر, وتتشابه هذه الخصل في كل المخلوقات العنيدة عندما تتكبر وتعلل أنها على الحق وان ما يواجهها هو الباطل , وترى هذه الخصلة موجودة عند سيد المعاندين والمتكبرين ابليس اللعين الذي تذرع بتفوقه على الطين وخالف أمر الخالق سبحانه وتعالى( قال ما منعك  الا تسجد لما امرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) الاعراف 12 ,.. فليس غريبا تشابه السلفي المتزمت مع ابليس اللعين بعناده وتأويله للأمور لكن الوهابي والسلفي ( إن كان صاحب شخصية حصرية-قهرية)  يفعل ذلك رغما عنه (قهرا) لأن تكوين شخصيته يملي عليه تصرفه ولايمكن تجاهل التأثير الابليسي على هكذا شخصيات مريضة وإن كان علم النفس المعاصر يتجاهل الجانب الغيبي والديني في تشخيصه ومعالجته للامراض كما تقدم في أول السطور. أما السلفي الوهابي غير المصاب بمرض ( الحصر-القهري) اي الشخص السوي يتعصب أيضا ويعاند لاسباب أخرى في شخصيته أيضا كالحسد والحقد والتكبر وأغواء المال والجاه والسلطان , فنرجو من القارئ الكريم أن لا يظن أن التعصب والعناد هو من سمات الشخصية (الحصرية –القهرية ) فقط  ! فالعناد والتعصب يأتي من أغواء ابليس لبني آدم انتقاما منه لما حصل له فوضع مرضه (مرض التكبر) في بني آدم المعرضين لسطوته وإغوائه.

هناك عوامل نفسية أخرى لاتحتاج لبحث وتطويل وهي معروفة بالبداهة كالحقد النفسي على شخص او طائفة أو جماعة بسبب ثأر قديم أو مشاحنة عائلية أو حسد على منصب أو حسد على جاه وشرف المحسود  , وهي أيضا عوامل مهمة تحول دون أيمان المرء بالحق واتباعه, فالذي يحسد ناجحا متفوقا عليه يكره مذهب المحسود ويحاربه , مثل فعل ابليس بوعده بإغواء بني آدم انتقاما لما آل اليه حاله , ولو تفكر قليلا لعلم أنه هو المخالف وهو الملام على معاناته وعلى طرده من الجنة  بتكبره وليس ابن آدم الضعيف المخلوق, ولكن التكبر يعمي البصيرة.
ولو أوذي الضال من قبل شخص ما , فإنه يصب جام غضبه على من آذاه وكذلك على عائلته وعلى أرائه ووجهات نظره في الحياة , وبالتالي يكون معاندا لما يحمل خصمه من آراء , وقد استغل ابليس وحزبه هذه الظاهرة على مستوى الشعوب أيضا كما حصل في الحرب التي دارت بين العراق وايران أيام النظام المقبور في العراق والتي دامت حوالي عشر سنين, وكان من نتيجتها أن زاد الحقد والبغض من قبل العرب لدولة أيران ولمذهبها الامامي الاثني عشري , فمن فقد اخ وصديق في تلك الحرب صب جام غضبه بغباء على العدو الشيعي وبغض كل ماهو شيعي , وهو كفعل ابليس في بغضه لابن آدم ولومه على خروجه من جنة الخلد وليس لابن آدم ذنبا في ذلك .

2-العوامل التربوية والاجتماعية المانعة للهداية والاستبصار

-النشأة في البيت والعائلة : إذا كانت العائلة عائلة وهابية سلفية و مصابة بامراض كمرض ( الحصر –القهري) فأن الطفل  الناشئ في تلك البيئة يصبح سلفيا وهابيا متحمسا  ومتزمتا الى ابعد الحدود لامتزاج الشخصية القهرية مع طريقة التربية, اما اذا كانت العائلة غير مصابة ب ( الحصر-القهري) فقد ينشئ الطفل السلفي الوهابي أو حتى السني المتزمت وفقا لتربيته ويكون احتمال تغيره عند نضجه اسهل لانه غير مصاب بمرض الحصر-القهري وهذه من نعم الله على عباده. وليس النشأة الضالة تحدث في العوائل المصابة ب ( الحصر-القهري) فقط ! وانما تحدث في العوائل المصابة بأمراض الحسد والتكبر وحب الدنيا والشهوات وغيرها كثير  .

- الذكريات : الطفل الناشئ في أي بيئة تتكون عنده ذكريات تخط شخصيته وتكّون انتمائه لبيئته بقوة تلك الذكريات ووتمتزج ذكريات البيئة عند المتزمت بخطب الجمعة وايام العيد وسنين الدراسة وافلام التلفزيون وحكايات كبار السن والهالات المقدسة المحاطة بالتاريخ الاسلامي المزور كعصمة الصحابة والخلفاء... الخ ويصبح المزيج المتكون كنقش على حجر في ذاكرة الناشئ مما يجعل التنصل من تلك المبادئ والاراء وتغييرها أمرا صعبا لتحولها الى ذكريات شخصية , ولايستطيع الانسان محو ذكرياته والتخلص منها إلا ماندر وعند الاحرار فقط والحر في الدنيا قليل , فيكون لسان حال السلفي الناشئ في بيئة سلفية وهابية مثلما نصت الايات  الكريمة
( بل قالوا  إنا وجدنا آباءنا على أمة وإن على اثارهم مهتدون, وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون, قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ) الزخرف (22, 23, 24) , فتأمل الاية الكريمة وكيف حصن المخالف نفسه بحجة اتباع الاباء ( الذكريات ) , ولكن لما جوبه بحجة قوية ( قال أولو جئكتم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالو إنا بما ارسلتم به كافرون) تعصب واستعلى وتكبر وكفر .

-الخوف والانتماء معا :  الخوف من التغيير وخشية المجتمع والعائلة والناس . ليس جميع الناس شجعانا  , فهناك الضعفاء امام شهوات الاكل والغرائز وضعفاء امام بريق المنصب والجاه وضعفاء أمام المخاطر والتغيير الذي قد يأتي بالمجهول , فحتى لو أدرك المسلم المتزمت أحقية مذهب أهل البيت ع وصحته فأن عوامل الضعف والخوف تنهره عن الابحار في تقصي الحقائق ومتابعته فيترك مهمة البحث ويبقى منتميا لمجتمعه ليعيش بسلام مع بيئته ويغض الطرف عن نداء الحقيقة الذي لايلبث أن يضمحل ويختفي بقوة الشهوات وزخرف الدنيا وتأثير الاهل والعشيرة , فيؤمن المسكين أن الحشر مع الناس عيد وإذا روادته شكوك فالجموع تقف في وجه  فيطمئن نفسه  بكذبة ان هذه الجموع لايمكن أن تكون ضالة , فيستغرق في ضلالته..

- فقدان الصدمة الفكرية أو الهزة النفسية : عند السلفي الوهابي أو السني المتزمت فقدان الهزة النفسية والصدمة الاجتماعية يعيق بالتأكيد الهداية للحق, فالحال ليس كحال الكافر الذي تهزه اليقظة الايمانية وتحيي فطرته السابتة فيعود الى عالم الايمان بهزة نفسية أو صدمة فكرية . السلفي أو السني المتزمت لاتحصل عنده هذه الهزة الفكرية لأنه محصن ( ملقح) بجرعة ايمانية مزورة ,وهذا يبين مكر ابليس وحزبه في ذلك , فالشر المحض لايتمكن من تحقيق مآربه بالافصاح عن شره وخبثه أمام الخلق , ولكنه –الشر- يتمكن من تحقيق مآربه بأخفاء وتبطين شروره وبتبنيه طروحات الخير وشعاراته وتلبسه بها وهو ما تم في المذهب السني كما تم من قبل في اليهودية والمسيحية وفي كافة الاديان من عهد آدم الى وقتنا هذا  , فالشعارات عين الشعارات والراية نفس الراية وحتى طقوس العبادة تتشابه  ولكن الطروحات والتأويلات ابليسية! وإذن يمتنع السني عن الاستبصار لعدم حصول المفاجأة الايمانية , فهو يؤمن أصلا أنه مؤمن ولكنه في الحقيقة مؤمن منحرف وتقويمه صعب لايمانه بصلاح نفسه وتكبره وعناده الابليسي عن قبول الحق من غيره!


3- العوامل الاقتصادية والسياسية : العيش في مجتمعات مرفهة اقتصاديا كالمجتمع السعودي والخليجي يضفي بريقا على المذهب المضلل ويرفد المجتمع بالمال والاملاك لاغواء بنو آدم
(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الدنيا والله عنده حسن المآب)14 آل عمران.
والغنى والجاه يورث التكبر والاستعلاء على الآخرين كما هو الحال في فرعون الغني
 ( ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي أفلا تبصرون, أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولايكاد يبين, فلو لا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) 51-53 الزخرف.
وقد انتشر المذهب الوهابي السلفي في آسيا وبلاد المغرب العربي ومصر وبلاد الشام بفضل الرفد المالي والاقتصادي للانظمة الوهابية السلفية, وتأثير المال في الناس معروف ولا يخرج عن تأثير المال الا الاحرار اصحاب الحظ العظيم وهم قلة !
 لنتخيل أن بلاد آل سعود وبلاد السلفية بلاد فقيرة كبلاد الصومال وغيرها فهل سيكون التأثير الوهابي السلفي المنحرف كتأثيره الآن ؟ يترك الجواب للقارئ الكريم . يمكن استحضار بدعة الخليفة عمر في إلغاءه لسهم المؤلفة قلوبهم في هذه النقطة, فالعامل الاقتصادي مهم في التأثير على المهتدين لذلك عطل عمر حكم المؤلفة قلوبهم نصرة لحزب ابليس.

-الطاغوت السياسي وحكم الانظمة الجائرة: حكم الحديد والنار والتهديد بالموت والسجن عامل مهم في عدم الاستبصار في المجتمعات المقهورة سياسيا ,
ونظرة بسيطة في تاريخ الاسلام تري الباحث الاضطهاد السياسي الممنهج ضد اتباع الائمة ع وضد الائمة ع جميعا ,فالانظمة الغاشمة تستعمل كل الاساليب في ارعاب الناس وتخويفهم من اجل ابقاءهم على غيهم في عبادتهم للطواغيت واتباع رؤوس الضلالة من العلماء المزيفين والفقهاء المنتحلين ومن أجل ابعادهم عن الوصول الى الحقيقة , والامثلة على ذلك عديدة في واقعنا المعاصر كبلاد مصر التي تمنع نشر كتب الامامية وتحارب المهتدين الى مذهب آل البيت وكذلك الحال في بلاد الجزيرة العربية وشمال افريقيا ,

-العزل والماكنة الاعلامية : العزل الاجتماعي عن الاختلاط بباقي شعوب الارض عامل مهم في تجهيل الناس بالحق, وقد دأب المحرفون منذ البداية في عزل الجماهير وتجهيلها بدينها كفعل الخليفة عمر بمنعه  التفقه في الدين وحثه على تعلم الشعر العربي فقط وحرقه لمكتبة الاسكندرية وافتاءاته المخالفة للشرع, وفي ذات الوقت نصب ماكنة اعلامية بتعيينه تميم الداري وكعب الاحبار خطباء في مسجد النبي ص ومنع صحابة النبي ص المقربين من الخطب والوعظ , ومثله فعل معاوية ودولته في سب أمير المؤمنين ع لأكثر من سبعين عاما على منابر الدولة , وفي عصرنا الحالي ومن ذلك الانظمة الطاغوتية الجائرة كنظام حكم العراق قبل سنة 2003 الذي منع الانترنيت والصحف الاجنبية وكان يشوش على قنوات الحاكي لتكميم الحق ومنع نشر الكتب المخالفة للمذهب السلفي من اجل انشاء جيل معزول عن العالم لايعرف الا مايمليه عليه نظامه. وكذلك الحال في النظام السعودي الحالي الذي يمنع المنتديات الفكرية الحرة في شبكات النت ويشوش على قنوات التلفزيون الفضائية من اجل تغييب الحقيقة عن الخلق, وفي ذات الوقت تبث أجهزته الاعلامية تضليلاتها  , وهذا عامل مهم في عدم الاستبصار وعدم معرفة الحقيقة.

كلمة
العوامل التي مر ذكرها هي بعض من عوامل قد تأتي منفردة تبعد الانسان المسلم عن الهداية وقد تفشل في ذلك لارتقاء الانسان وحريته, ولكنها قد تأتي مجموعة فيكون تأثيرها قويا على حاملها كظلمات في بحر لجي من فوقها ظلمات من فوقها ظلمات , فالخروج من دوائر الحصار الشيطاني ( المال , الحسد, الغواية, الشخصية المريضة, النشأة والذكريات ..الخ) يستدعي جهدا كبيرا وقد لا يتحقق الخروج والتحرر  فأبليس في حرب مستمرة , ولايتواني في زيادة الظلمات لابن آدم مما يجعله يبقى في طريق الضلالة بعناد منقطع النظير.
لقد بين القرآن الكريم جميع العوامل المانعة للهداية والاستبصار , من إغواء وتضليل ابليس واختراع حزبه لمذاهب الباطل, الى الجهل , الى حب المال والشهوات الى دور الطواغيت, وبين العوامل النفسية كالعناد والاصرار على الباطل والتعصب له بسبب الحسد والحقد, وطريقة تتبع مذهب الاباء والاجداد , وتضييع المرء لوقته في اعمال عبثية كاللهو والغناء والالعاب وغيرها كثير, ولو جمعت الايات الكريمة وتفاسيرها  في ذلك لتطلب الامر مجلدات .
 

كيف السبيل ؟
لمعرفة الحق المغيب يجب التحرر من ربقة العبودية بطلب الحرية والسعي لها وبالعلاج النفسي, فالعقل قد يعرف الحقيقة ولكن القلب بمرضه وعناده يحول دون ذلك , لذلك العلاج النفسي واجب , وكسر طوق العبودية يستدعي نفوسا حرة قادرة على كسر دوائر الاضلال الابليسي , والعقبة الاولى هي في التشخيص ومعرفة المرض والعائق الذي يحول من التحرر , فما أن يدرك الانسان أنه عبد للدنيا وأنه في ضلال فقد بدأ رحلة الخلاص, والذي يبقى محصورا في دوائر ( التكبر) والتعصب الابليسي لاينجو , وكذلك الذي يبقى في غواية المال والشهوات والامراض النفسية وغيرها .
إن ابليس وحزبه لايظهر شروره للناس فالشر المحض لايقربه الانسان المفطور على حب الخير , لذلك ابليس يبطن الخير بشروره ليلتبس الامر على بني آدم, وقد عرف أبليس أن افضل أداة لحرب دين الله هي في ( تقمص) دين الله و ( وخطف) شعاراته وراياته وهو مافعله في الاديان السابقة ثم حذا بالامر حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة في خاتم الاديان فكانت مذاهب الضلال كالوهابية والسلفية, فالشعارات والرايات هي شعارات دين الله وراياته ولكن المذهب مذهب الشيطان وحزبه, فأطلق المحرفون على أنفسهم  اسم ( اهل السنة والجماعة) ومضوا يضللون الناس ويبعدونهم عن الحق,  ولكن....
الله تعالى غالب على أمره..

ليست هناك تعليقات: