الخميس، 19 مارس 2015

كلمة أخيرة



كلمة أخيرة
هذا سفر قصير في تاريخ طويل لم ينقطع عنا ولم ننقطع عنه, لازال ذلك التاريخ  يتحكم في مفاهيمنا وسلوكنا ومصائرنا ,ومخدوع من يقول أن ذلك الماضي ذهب بأهله , إنما يقول ذلك من عجزعن رد مساوئ ذلك التاريخ وتناقضاته ودمويته, فلا هو قادر على التنصل من تاريخه لتعلقه به ولاهو قادر على رؤية الشرور والاهوال فيه, أعماه التعصب فاغمض عينيه وأغلق بصيرته عن التطلع الى مثالب ذلك الماضي الذي حسبه  فاضلا فتعلق به وقدسه وآمن بخدعة نقاءه وصفاءه. إنما الحقائق هي غير ما افترى المدونون من كتبة البلاط والمتكسبون من موائد الظلمة والطغاة . إن التاريخ كأي شئ آخر ليس يكون كما نتمناه, بل  يكون كما هو بلا تزوير ولا تصحيف.
إن غاية بحثنا هذا هو كشف ذلك التاريخ وتعريته من هالة القدسية التي صنعها المتآمرون, لتتحرر نفوس وتسمو نحو علياء الحقيقة. لكن القبول بإسقاط هالة التقديس الكاذبة لذلك الماضي امر لايطيقه عشاق ذلك التاريخ, فهم عبيد الماضي التليد, امتزجت احاكيه ورواياته  بذكريات طفولتهم وكراسي مدارسهم ودروب حاراتهم وصدى أصوات آبائهم وأجدادهم, ثم امتزجت مع عباداتهم و مصالحهم ومكاسبهم  فصارت بوتقة واحدة لافكاك منها إلا بالفكاك من ماضي حياة الفرد نفسه  والانسلاخ من جلد الذكريات الجميلة, والتنازل عن مفاهيم انغرست ,ومكاسب تراكمت ,ومصالح اجتمعت, وعن عواطف ترابطت ,احتوتها العائلة والعشيرة والوطن والاهل والاحباب, فيالها من خلطة صَعُبت تَصفيتها وحرية بَعُدَ نوالها, وليس لها إلا الاحرار المتحررون من ربقة الماضي وخداع أكاذيبه.
يذكرنا هذا بالحر بن يزيد الرياحي في كربلاء, ذلك القائد الشاب الذي كان تحت إمرته آلاف الجنود , ينتظره مستقبل رغيد من هبات السلطان وقوة النفوذ , لكنه تحرر من تلك القيود وترك بريق العز الكاذب وتخلى عن الجاه والسلطان  وعن جمال الحياة وعذوبتها من أجل الحقيقة والعدل فاختطفته حريته إلى عالم الخلود الابدي, ولذلك قال له الحسين أبو الاحرار وسيد الشهداء :( أنت الحر كما سمتك أمك, أنت الحر في الدنيا والاخرة ), وما أقل الاحرار في تاريخ البشر.
إن كان هذا السفر القصير قد أخذنا إلى عالم لم نعرفه وفتح بصائرنا لتحريه فذلك فوز كبير وخطوة في اتجاه نحو مزيد من كشوفات, وإن زادنا حنقا وغضبا وتعصبا فذلك ايضا فوز كبير , فلايأتي الربيع إلا بالعواصف والرعود ثم بعده يأتي الصيف الجميل بسكونه وصفاء لياليه , فعسى بعد الحنق والغضب والتعصب يأتي الصفاء فتسكن الارواح للحقائق لتحلق في سماء المعالي .


العبد الفقير لرحمته تعالى مروان العارف

ليست هناك تعليقات: